كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



حجة الشافعي أن وجود هذا النكاح وعدمه بمثابة واحدة لكونه محرّمًا قطعًا في حكم الشرع فيكون وطؤها زنًا محضًا.
الصنف الثاني من المحرمات البنات ويراد بهن كل أنثى رجع نسبها إليك بالولادة بدرجة أو درجات بإناث أو بذكور. والكلام في أن إطلاق لفظ البنت على بنت الابن وبنت البنت حقيقة أو مجاز كما مر في الأمهات. قال أبو حنيفة: البنت المخلوقة من ماء الزنا تحرم على الزاني. وقال الشافعي: لا تحرم لأنها ليست بنتًا له شرعًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش» وهذا يقتضي حصر النسب في الفراش، ولأنها لو كانت بنتًا له لأخذت الميراث ولثبت له ولاية الإجبار عليها، ولوجب عليه نفقتها وحضانتها، ولحل الخلوة بها، لكن التوالي باطلة بالاتفاق فكذا المقدم.
وأيضًا إنّ أبا حنيفة إما أن يثبت كونها بنتًا له على الحقيقة وهي كونها مخلوقة من مائه، أو بناء على حكم الشرع والأول باطل على مذهبه طردًا وعكسًا. أما الطرد فهو أنه إذا اشترى جارية بكرًا وافتضها وحبسها في داره إلى أن تلد فهذا الولد ملعوم أنه مخلوق من مائة قطعًا مع أنه لا يثبت نسبه إلاّ عند الاستلحاق، وأما العكس فهو أن المشرقي إذا تزوج بالمغربية وحصل هناك ولد فإنه يثبت النسب مع القطع بأنه غير مخلوق من مائه. والثاني أيضًا باطل بإجماع المسلمين على أنه لا نسب لولد الزاني من الزاني، ولو انتسب إليه وجب على القاضي منعه. الصنف الثالث: الأخوات ويشمل الأخوات من الأب والأم، ومن الأب فقط، ومن الأم فقط، الصنف الرابع والخامس العمات والاخالات. قال الواحدي: كل ذكر رجع نسبك إليه فأخته عمتك وقد تكون العمة من جهة الأم وهي أخت أبي أمك، وكل أنثى رجع نسبها إليك بالولادة فأختها خالتك. وقد تكون الخالة من جهة الأب وهي أخت أم أبيك، ولاتحرم أولاد العمات وأولاد الخالات. الصنف السادس والسابع: بنات الأخ وبنات الأخت، والقول فيهما كالقول في بنت الصلب. الثامن والتاسع: قوله: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} سمى المرضعات أمهات تفخيمًا لشأنهن كما سمى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات لحرمتهن. وليس قوله: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} كقول القائل: وأمهاتكم اللاتي كسونكم أو أطعمنكم. وإلاّ كان تكرارًا لقوله: {حرمت عليكم أمهاتكم} بل المراد أن الرضاع هو الذي تستحق هي بسببه الأمومة ويعلم من تسمية المرضعة. أما والراضعة أختًا إنه أجرى الرضاع مجرى النسب لأن المرحمات بسبب النسب سبع: اثنتان بالولادة وهما الأمهات والبنات، والباقية بطريق الإخوة وهو الأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، فذكر من كل واحد من القسمين صورة واحدة تنبيهًا بها على الباقي منهما. فذكر من قسم الولادة الأمهات، ومن قسم الإخوة الأخوات. ثم إنه صلى الله عليه وسلم أكد هذا البيان بصريح قوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فصار صريح الحديث مطابقًا لمفهوم الآية. وهذا بيان لطيف فأمك من الرضاع كل أنثى أرضعتك، أو أرضعت من أرضعتك، أو أرضعت من ولدك من الآباء والأمهات، أو ولدت المرضعة، أو الفحل الذي منه اللبن بواسطة أو بغير واسطة. وبنتك من الرضاع كل أنثى أرضعت بلبنك، أو أرضعت بلبن من ولدت من الأبناء أو البنات. وأختك من الرضاع كل أنثى أرضعتها أمك أو أرضعت بلبن أبيك، أو ولدتها المرضعة أو الفحل الذي جر لبنه على المرضعة.
وعمتك كل أنثى من الرضاع من جهة الأب، وكل أنثى أرضعت بلبن واحد من أجدادك، أو كانت أخت الفحل الذي ارضعت بلبنه. ومن جهت الأم كل أنثى هي أخت ذكر أرضعت أمك بلبنه بواسطة أو بغير واسطة. وخالتك من الرضاع من جهة الأم كل أنثى هي أخت أمك من الرضاع، أو أخت من ارضعتك من النسب أو الرضاع. ومن جهة الأب كل أنثى هي أخت أنثى أرضعت أباك من الرضاع أو النسب. وبنات الإخوة والأخوات من الرضاع كل أنثى ولدها ابن مرضعتك أو بنتها أو ولدها ابن الفحل الذي منه اللبن، أو بنته من الرضاع أو النسب، أو أرضعتها أختك أو أرضعت بلبن أخيك. وكذلك حكم بنات أولاد من أرضعته أختك أو أرضعت بلبن أخيك من الرضاع أو النسب، وكذلك بنات من أرضعته أمك أو أرضع بلبن أبيك وبنات أولادهما من الرضاع أو النسب. والرضاع المحرّم قد يسبق النكاح فيمنع انعقاده، وقد يطرأ عليه فيقطعه. وللرضاع أركان: أحدها المرضع ويجب أن تكون امرأة، فلبن البهيمة لا يثبت تحريمًا بين الذكر والأنثى للذين شربا منه وكذا لبن الرجل، وأن تكون حية. وعند أبي حنيفة ومالك وأحمد يتعلق بلبن الميتة والتحريم، وأن تكون محتملة للولادة بأن بلغت تسع سنين. وثانيها اللبن ويتعلق به التحريم ولو تغيّر بحموضة أو انعقاد أو إغلاء أو اتخذ منه جبن أو زيد أو مخيض أو أقط أو ثرد فيه طعام أو عجن به دقيق وخبز أو خلط بمائع حلال أو حرام. وثالثها المحل وهو معدة الصبي الحي فلا أثر للحقنة، ولا بعد الحولين الهلاليين، ولا للوصول إلى معدة الصبي الميت. ولابد مع ذلك من خمس رضعات لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تحرم المصة والمصتان ولا الرضعة والرضعتان»، ولما روت عائشة: «خمس رضعات يحرّمن» وعند أبي حنيفة: الرضعة الواحدة كافية. الصنف العاشر قوله: {وأمهات نسائكم} ويدخل فيه الجدات من قبل الأب والأم. الحادي عشر {وربائبكم اللاتي في حجوركم} والربائب جمع ربيبة وهي بنت امرأة الرجل من غيره، ومعناها مربوبة لأنّ الرجل يربها. والحجور جمع حجر بالفتح والكسر. وكونها في حجرة عبارة عن تربيته وهو بناء للكلام على الغالب ومثله هو في حضانة فلان وأصله من الحضن الذي هو الإبط. وقال أبو عبيد: في حجوركم أي في بيوتكم. وعن علي عليه السلام أنه جعل كونها ربيبة له وكونها في حجرة شرطًا في التحريم شرطًا في التحريم وهو استلدلال حسن. وأما سائر العلماء فذهبوا إلى أنّ الكلام أخرج مخرج الأعم الأغلب، وأنه إذا دخل بالمرأة حرمت ابنتها عليه سواء كانت في تربيته أو لم تكن. أما اشتراط الدخول بأمها فلقوله: {من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} وهو متعلق بربائبكم كا تقول: بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة.
وأما عدم اشتراط التربية فلقوله: {فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} علق رفع الجناح بمجرد عدم الدخول، وهذا يقتضي أن السبب لحصول الجناح هو مجرد الدخول. وذهب جمع من الصحابة أن أم المرأة إنما تحرم بالدخول بالبنت كما أن الربيبية إنما تحرم بالدخول بأمها وهو قول علي وزيد وابن عمر وابن الزبير وجابر وأظهر الروايات عن ابن عباس. وحجتهم أنه تعالى ذكر جملتين وهو قوله: {وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم} ثم ذكر شرطًا وهو قوله: {من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} فوجب أن يكون ذلك الشرط معتبرًا في الجملتين معًا. وأما الأكثرون من الصحابة والتابعين فعلى أن قوله: {وأمهات نسائكم} جملة مستقلة بنفسها ولم يدل دليل على عود ذلك الشرط إليه إذ الظاهر تعلق الشرط بالثانية، وإذا تعلق الشرط بالثانية أو تعلق بإحدى الجمليتين فلا حاجة إلى تعليقه بأخرى. وأيضًا عود الشرط إلى الجملة الأولى وحدها باطل بالإجماع وكذا عودة إليهما معًا، لأنّ معنى من مع الأولى البيان، ومعناها مع الثانية ابتداء الغاية، واستعمال اللفظ المشترك في مفهومية معًا غير جائز. نعم لو جعل من للاتصال كقوله: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} [التوبة: 71] أمكن اعتبار الاتصال في النساء والربائب معًا، فأمهات النساء متصلات بالنساء لأنهن أمهاتهن، كما أن الربائب متصلات بأمهاتهن لأنهن بناتهن. إلاّ أن هذا التفسير فيه خلل من جهة اللفظ ومن جهة المعنى. أما اللفظ فلأن قوله: {وأمهات نسائكم} وكذا ربائبكم يكون حينئذٍ مبتدأ وقوله: {من نسائكم} خبرًا ويقع بين المعطوفات فاصلة لأن قوله: {وحلائل أبنائكم} وما بعده معطوف على فاعل {حرمت}. وأما من جهة المعنى فلأن الحكم بالاتصال والاتحاد يقتضي التحليل لا التحريم ظاهرًا. ومما يدل على أن الجملة الأولى مرسلة ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا نكح الرجل امرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها دخل بالبنت أو لم يدخل، وإذا تزوج بالأم فلم يدخل بها ثم طلّقها فإن شاء تزوّج البنت» وكان عبد الله بن مسعود يفتي بنكاح أم المرأة إذا طلق بنتها فبل المسيس وهو يومئذٍ بالكوفة. فاتفق أن ذهب إلى المدينة فصافدهم مجميعن على خلاف فتواه، فلما رجع إلى الكوفة لم يدخل داره حتى ذهب إلى ذلك الرجل وقرع عليه الباب وأمره بالنزول عن تلك المرأة. وعن سعيد بن المسيب أن زيد بن ثابت قال: إنّ الرجل إذا طلق امرأته قبل الدخول وأراد أن يتزوج أمها فله ذلك، وإن ماتت عنده لم يتزوّج أمها أقام الموت مقام الدخول في التحريم كما قام مقامه في باب المهر.
والدخول بهن كناية عن الجماع كقولهم: بنى عليها أو ضرب عليها الحجاب. يعني أدخلتموهن الستر، والباء للتعدية، وقد تقدم أن الخلوة الصحيحة عند أبي حنيفة تقوم مقام الدخول في التحريم، وقد تمسك أبو بكر الرازي بالآية في إثبات أن الزنى يوجب حرمة المصاهرة. قال: لأنّ الدخول بها اسم لمطلق الوطء من نكاح كان أو سفاح ورد بأنّ تقديم قوله: {من نسائكم} يوجب تخصيص الوطء بالحلال.
الصنف الثاني عشر {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} فيخرج المتبنى وكان في صدر الإسلام بمنزلة الابن إلى أن نزل: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم} {لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم} [الأحزاب: 37] وحكم الابن من الرضاع حكم الابن من النسب في تحريم حليلته على أبيه لقوله صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وإن كان ظارهًا قوله: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} وظاهر قوله: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} يقتضي الحل فههنا قد تخصص عموم القرآن بخبر الواحد. واتفقوا على أنّ حرمة التزوّج بحليلة الابن تحصل بنفس العقد ولا تتوقف الحرمة على الدخول. وما روي عن ابن عباس أنه قال: أبهموا ما أبهم الله أراد به التأبيد. ألا ترى أنه قال في السبع المحرّمات من جهة النسب إنها من المبهمات أي من اللواتي تثبت حرمتهن على التأبيد؟ واتفقوا أيضًا على تحريم حليلة ولد الولد على الجد. أما جارية الابن فقد قال أبو حنيفة: يجوز للأب أن يتزوّج بها. وقال الشافعي: لا يجوز لأنّ الحليلة فعليه إما بمعنى المفعول من الحل أي المحللة، أو من الحلول بمعنى أن السيد يحل فيها، وإما بمعنى الفاعل لأنهما يحلاّن في لحاف واحد، أو يحل كل واحد منهما في قلب صاحبه لما بينهما من الإلفة والمودّة. وعلى التقادير بصدق على جارية الإبن أنها حليلته كما يصدق على زوجته أنها حليلته فتناولها الحرمة بالآية. الصنف الثالث عشر {وأن تجمعوا بين الأختين} أي حرمت عليكم الجمع بينهما والتأنيث للتغليب أو للاكتساب أو بتأويل الخصلة. ويمكن أن يقال: الواو نائب عن الفعل المطلق من غير اعتبار تذكيره أو تأنيثه، والجمع يكون إما بالنكاح أو بالملك أو بهما. أما النكاح فلو عقد عليهما معًا فنكاحهما باطل، وعلى الترتيب بطل الثاني لأنّ الدفع أسهل من الرفع، وأما الجمع بينهما بملك اليمين أو بأن ينكح إحداهما ويشتري الأخرى فقد اختلف الصحابة فيه؛ فقال علي وعمرو بن مسعود وزيد بن ثابت وابن عمر: لا يجوز الجمع بينهما لإطلاق الآية، ولأنه لو لجاز الجمع بينهما في الملك لجاز وطؤهما معًا لقوله تعالى: {إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} [المؤمنون: 6] ولأن الأصل في الإبضاع الحرمة، فلو سلم أن الآية تدل على الجواز فالأحوط جانب الترك.
وأما سائر الصحابة والفقهاء فقد قالوا: النهي وارد عن نكاحهما، فلو جمع بينهما في الملك جاز إلاّ أنه إذا وطئ إحداهما حرّم وطء الثانية عليه، ولا تزول هذه الحرمة ما لم يزل ملكه عن الأولى ببيع أو هبة أو عتق أو كتابة أو تزويج. قال أبو حنيفة ههنا: لا يجوز نكاح الأخت في عدّة الأخت البائن لأنّ النكاح الأول كأنه باق بدليل وجوب العدة ولزوم النفقة. وقال الشافعي: يجوز لأن نكاح المطلّقة زائل بدليل لزوم الحد بوطئها. وأما وجوب العدة ولزوم النفقة فنقول: متى حصل النكاح حصلت القدرة على حبسها، ولا يلزم من حصول القدرة على حبسها حصول النكاح لأن استثناء عين التالي لا ينتج. وإذا أسلم الكافر وتحته أختان فقد قال الشافعي: اختار أيتهما شاء وفارق الأخرى سواء تزوّج بهما معًا أو على الترتيب، لأنّ الكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الشرائع في أحكام الدنيا إذ لا يتصوّر تكليفه بافروع ما دام كافرًا. نعم يعاقب بترك الفروع في الآخرة كما يعاقب على ترك الإسلام ومما يؤيّد قول الشافعي ما روي أن فيروزًا الديلي أسلم على ثمان نسوة فقال صلى الله عليه وسلم: «اختر منهن أربعًا وفارق سائرهن أطلق ولم يتفحص عن الترتيب». وقال أبو حنيفة: إن تزوّج بهما معًا تركهما أو على الترتيب فارق الثانية، لأنّ الخطاب في قوله: {وأن تجمعوا} عام فيتناول المؤمن والكافر فخالف أصليه حيث جعل النهي دالًا على الفساد، والكافر مخاطبًا بالفروع. ومما يدل على أن الخطاب الفروع لا يظهر أثر في حق الكافر في الأحكام الدنيوية الإجماع على أنه لو تزوج بغير وليّ وشهود أو على سبيل القهر والغصب فبعد الإسلام يقرّر ذلك النكاح، أما قوله تعالى: {إلا ما قد سلف} فمعناه أن ما مضى مغفور بدليل قوله: {إنّ الله كان غفورًا رحيمًا} وقد مرّ نظيره.